ولا يزالُ الشبَح الداعشي يعمل على إثارةِ الفتنةِ وإحداثِ القلاقلِ شرقًا وغَربًا. فها هوَ يطلُّ علينا برأسِهِ الدميم ووجهِهِ القبيح في محاولاتٍ يائسة بائسة لضربِ أمنِ فرنسا واستقرارِها وزعزعةِ سلامِها وطمأنينتِها.
فقد تابعت وحدة رصد اللغة الفرنسية عن كَثَبٍ مُجرياتِ الأمورِ على السّاحَةِ الفَرَنسية، فلا تكاد تمر عدة أيام دون سماع أخبارٍ عن حوادث وأعمال إرهابية في فرنسا بشكلٍ عام، وباريس بشكلٍ خاص، لاسيما خلال النصف الأول من هذا العام.
فبعد الهدوء النسبي الذي عم البلاد بعد أحداث باريس الدامية خلال عامي 2015 و2016، لم تنعم العاصمة الفرنسية باريس كثيرًا بهذا الهدوء إذ أصبحت تتعرض بشكلٍ شبه يومي تقريبًا لحوادث عنف متنوعة بعضها يرتبط بأعمال إرهابية والآخر يرتبط بتنامي الكراهية والتعصب عند بعض الأفراد في البلاد.
ففي الواقع لم يعد يقتصر الأمرُ في فرنسا على مواجهةِ إرهابِ منظماتٍ مسلحةٍ ذات انتماءاتٍ دينيةٍ متشددةٍ كداعش وإخوانها، بل وكذلك مواجهة موجات من التعصب القومي، أو الإثني، أو الديني، الأمر الذي يفسر زيادة معدلات الإسلاموفوبيا في فرنسا خلال الفترة الأخيرة. ومما يُثْبِت اتساعَ دائرة التحديات، ذلك المخطط الأخير الذي اكتُشِفَ مؤخرًا لاغتيال الرئيس الفرنسي ماكرون خلال الاستعراض العسكري الذي يقام سنويًا في الشانزليزيه يوم 14 يوليو بمناسبة العيد القومي للدولة الفرنسية، حيث تَمَّ القبضُ على شاب في الثالثة والعشرين من عمره، ينتمي إلى القوميين الفرنسيين، وهو قريب من أيدولوجية اليمين المتطرف، كان يخطط لإطلاق النار على الرئيس الفرنسي خلال الشهر الجاري في العيد القومي للبلاد، مما يُذَكِّرُنا بمحاولةِ الاغتيال الفاشلة التي قام بها Maxime Brunerieيوم العيد القومي عام 2002 والتي تمكنت السلطات من اكتشافها وإبطالها قبل بدء العرض. وباستجواب هذا الشاب، وصف نفسه بأنه “قومي”، وأنه كان يستهدف كذلك مهاجمة “السود، والعرب، واليهود، والمثليين جنسيًا” وفقًا لتصريحاته التي نقلتها جريدة “La Libération” الفرنسية الشهيرة. من جانبها ذكرت بعض الجهات الشرطية بأنَّ هذا الشاب كان له سجل لدى العدالة، وأنه قد حُكِمَ عليه مسبقًا عام 2016 بثلاث سنوات من السجن، منها 18 شهرًا مع وقف التنفيذ، لحثه على الكراهية ودفاعة عن الإرهاب بعد تأييده لحادثة مقتل 77 شخصًا من قبل المتطرف النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك عام 2011.
يأتي قبل هذا الحادث مباشرة، حادث إطلاق النار أمام مسجد الرحمة بمنطقة “أفينيون” أسفر عن إصابة 8 أشخاص مساء يوم الأحد الموافق 2 يوليو الجاري من قِبَلِ رجلين خرجا من سيارة وأطلقا النارَ. ويأتي قبل ذلك بساعات محاولة دهس بعض المصلين لدى خروجهم من مسجد كريتاي في ضاحية باريس من شخص وصفته السلطات بأنه مريض نفسي.
كل هذا يؤكد أن خطر الإرهاب في فرنسا لم يَعُد يقتصر على فئات تنتمي إلى السلفية الجهادية، أو تنظيم داعش الإرهابي، وإنما امتد الأمرُ ليشملَ أطيافًا أخرى من المتعصبين، لاسيما المنتمين منهم لفكر اليمين المتطرف.
كما تنوعت الحوادث الإرهابية لتشمل أشكالا جديدة ومخيفة يصعب مواجهتها بالأساليب الشرطية العادية، بدءًا من الدهس بالسيارات، والطعن، وانتهاءًا بالدعوة إلى “تسميم الطعام” من قبل تنظيم داعش الإرهابي.
وإليكم قائمة بأبرز الأعمال والتهديدات الإرهابية التي حدثت في فرنسا
خلال النصف الأول من عام 2017
التاريخ |
تفاصيل الحادثة |
03-07-2017 |
الكشف عن مخطط لاغتيال الرئيس ماكرون خلال الاحتفال بالعيد القومي الفرنسي يوم 14 يوليو الجاري من قبل شاب ينتمي إلى القوميين الفرنسيين وقريب من اليمين المتطرف. |
03-07-2017 |
إطلاق نار أمام مسجد الرحمة في منطقة أفينيون من قبل شخصين كانا يستقلا سيارة، وأسفر الحادث عن إصابة 8 أشخاص. |
29-06-2017 |
أفاد القضاء الفرنسي الجمعة أن الشخص الذي حاول أن يصدم بسيارته الخميس مصلين لدى خروجهم من مسجد كريتاي في ضاحية باريس يعاني فصاما في الشخصية. |
19-06-2017 |
محاولة هجوم فاشلة في الشانزليزيه بباريس الاثنين 19 من يونية 2017م، في حوالي الساعة 15:40، حيث أقدم رجل على متن سيارة رينو ميجان وقام بصدم سيارة دورية للشرطة، مما أحدث حريقًا بسيارته، وأسفر عن مقتل منفذ الهجوم دون وقوع أي إصابات بين أجهزة الأمن أو العامة. كما أفاد مصدر مقرب من التحقيق، الثلاثاء 20 من يونيو2017م، أن منفذ الهجوم بايع تنظيم “داعش” في رسالة تم العثور عليها.
|
07-06-2017 |
مهاجمة أفراد ينتمون لتنظيم داعش الإرهابي لأحد أفراد الشرطة أمام كاتدرائية نوتردام في باريس. |
07-06-2017 |
تنظيم داعش يهدد ثماني دول من بينها بلجيكا، وينصح جموع المسلمين في هذه الدول “بالابتعاد عن الأسواق والشوارع ومواقف السيارات…” |
20-04-2017 |
شهد شارع الشانزليزيه في العاصمة الفرنسية باريس، عملية إطلاق نار أسفرت عن مقتل شرطي، وإصابة اثنين آخرين وسائحة كانت متواجدة في المكان خلال الحادث. أفادت وكالة أعماق التابعة لتنظيم داعش أن منفذ هجوم باريس يدعى أبو يوسف البلجيكي. |
25-03-2017 |
مدينة ديجون: القبض على امرأة ترتدي حجابًا يخفي وجهَها بشكلٍ كاملٍ، معروفة لدى الإدارة العامة للأمن الداخلي بتطرفها، من قِبَلِ الشرطة أثناء تهديدها للمارة بسكين. |
18-03-2017 |
هجوم بمطار باريس-أورلي ارتكبه رجل من أصول تونسية، حيث حاول الاستيلاء على بندقية، وأخذ إحدى أفراد الشرطة كرهينة معلنًا: “أنا هنا للموت في سبيل الله”. |
03-02-2017 |
مهاجمة بعض العسكريين بالقرب من متحف اللوفر من قِبَلِ مصري يبلغ من العمر 29 عامًا، تم إصابة أحد العسكريين، في حين فتح الآخر النار على المهاجم وأصابه إصابة بليغة، وصرح رئيس الوزراء بأنه “حادث إرهابي”. |
18-01-2017 |
العثور على شحنة متفجرات تزن 6 كيلوجرام أمام أحد المطاعم، بمنطقةHaute-Corse، ولم يسفر التفجير عن مصابين، لكنه أحدث خسائر مادية كبيرة. |
وسائل مواجهة الإرهاب في فرنسا :
وفيما يتعلق بسُبُلِ مواجهةِ الدولة الفرنسية لخطر الإرهاب في فرنسا، نشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات مؤخرًا تقريرًا مهمًا حول هذا الأمر أبرز فيه أهم الخطوات والوسائل التي اتخذتها الدولة الفرنسية لمجابهة هذا التهديد الإستراتيجي داخل حدودها. وبحسب التقرير فإن هذه الوسائل تقوم على محورين:
وسائل قانونية ولوجستية:
أهم القوانين:
القانون الفرنسي الجديد لمكافحة الإرهاب الذي صدر في 19 ديسمبر 2012، والذي يجيز ملاحقة الفرنسيين الذين يقومون بأعمال إرهابية في الخارج أو يتدربون في معسكرات خارجية للقيام بأعمال “جهادية”، ونشر القانون في الجريدة الرسمية بعد أن صادق عليه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وفق تقرير لفرانس 24. وبحسب هذا القانون، يتم ملاحقة أي شخص يحمل الجنسية الفرنسية “حتى لو لم يرتكب أي عملٍ مسيءٍ في فرنسا وحتى لو لم يمض شبابه على الأراضي الفرنسية، وذلك بتهمة تشكيل عصابةٍ إجرامية بهدف ارتكاب عمل إرهابي وهي جريمة تعاقب بالسجن عشر سنوات وغرامة تبلغ 225 الف يورو”.
قانون تعزيز دور الاستخبارات في مكافحة الإرهاب:
وفقًا للتقرير، “عرضت الحكومة الفرنسية في 18 مارس 2015 مشروع قانون لتعزيز الوسائل المتاحة لأجهزة الاستخبارات للتصدي للمخاطر الجهادية، وفق تقريرٍ للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بعد اعتداءات باريس الإرهابية في يناير 2015.
ويسمح هذا القانون لأجهزة الاستخبارات بمراقبة”الإرهابيين” المحتملين من خلال أذونات إدارية بدون الموافقة المسبقة من قاض.
كما ينص القانون على اللجوء إلى أجهزةٍ لتسجيل كلام أشخاص وصورهم، أو لبرامج معلوماتية تلتقط البيانات المعلوماتية؛ ما سيسمح لعناصر الاستخبارات بوضع ميكروفونات وكاميرات تجسس وغيرها أينما يرون ذلك ضروريًا بما في ذلك إقامة مراكز تتبع هواتف المشتركين التي تسمح باعتراض الاتصالات في مربع معين، سواء اتصالات مشتبه بهم أو المقربين منهم”.
زيادة الميزانية الخاصة بالأمن العام وتغيير العديد من القواعد المُطَبَّقة على رجالِ الشرطةِ:
حيث يُسْمَحُ لجميع رجال الشرطة بحمل أسلحتهم طوال اليوم، حتى بعد انتهاء الدوام؛ ويحق لرجال المرور تفتيش الركاب وأمتعتهم، إذا ما أثار شخص ما ريبتهم؛ فأصبح من الممكن منع “الجهاديين” المشتبه بهم من السفر خارج البلاد.
تغيير نظام السجون:
عملت فرنسا على تغيير نظام السجون، عن طريق فصل السجناء المتطرفين، في أجنحةٍ منفصلة عن بقية السجناء، لمنع أيِّ فرصةٍ تسمحُ بتجنيدِ أيٍّ منهم من قِبَلِ السجناء المتطرفين، خصوصًا بعد أن لوحظ أن معظم من شنوا الهجمات الإرهابية على فرنسا، كانوا مجرد سجناء عاديين، وتم تجنيدُهم من قِبَلِ المتطرفين داخل السجون. وبالطبع لم تكتف فرنسا بهذه الإجراءات فقط، إنما اتخذت العديد من الإجراءات العسكرية في الخارج، تباعًا للهجمات التي وقعت في كل من باريس ونيس، حيثُ توَعَّدَت بزيادةِ الهجمات الجوية على سوريا والعراق.
ملف المقاتلين الأجانب:
بحسب التقرير، تُظْهِرُ دراسةٌ هولنديةٌ أنَّ الفرنسيين يُشَكِّلونَ أكبرَ عددٍ من “المقاتلين الأجانب” في صفوف المتشددين في سوريا من الدول الأوروبية، ويُشَكِّلُ الأوروبيون الذين يقاتلون مع الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق أحدَ أبرز المخاوف الأمنية في أوروبا لعدة سنوات قادمة وفق رويترز.
يذكرُ التقريرُ أنه في المجمل سافر ما يصل إلى 4294 أوروبيًا للقتالِ في سوريا، عاد منهم إلى أوروبا 30%، وتأكد مقتل 14 %، كما أن 17 % منهم من النساء وأنَّ 23 %من المسلمين الجدد، جاء أغلبُهُم من مناطق حضرية أو ضواحي المدن بالقارة الأوروبية.
ويضيفُ التقريرُ أنه “مع انهيار تنظيم داعش، بدأ ما يطلق عليهم اسم “المهاجرين” وهم المقاتلون الأجانب الذي انضموا إلى التنظيم الإرهابي، بمغادرة التنظيم والعودة إلى بلادهم، لا سيما الفرنسيون منهم ، وبحسب “الأناضول” أعلنت السلطات الفرنسية عودة 200 عضوًا من داعش إلى فرنسا، واحتمال أن يصل الرقم إلى 700.وتزداد المخاوف من أن يعود هؤلاء بطريقة غير قانونية، إذ يمثلون تهديداً كبيرًا على الأمن الداخلي”. وذكرَ التقريرُ حالةَ (كيفن غيافار)، 23 عاماً، أحد أوائل المنضمين إلى تنظيم داعش الإرهابي نهاية عام 2012، والذي قرر “أخيرًا العودة إلى فرنسا مع زوجاته الأربع وأولاده الستة. خوفًا على عائلته من الموت”.
مراكز مكافحة التطرف العنيف وإعادة التأهيل:
أقامت الدولةُ الفرنسية عدةَ مراكز متخصصة للوقاية من التطرف العنيف، ومكافحته، وإعادة تأهيلِ العناصر التي وقعت في براثن التطرف. هذه المراكز تشرف عليها وزارةُ الداخلية الفرنسية بالتنسيق مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهي منتشرة في ربوع الدولة الفرنسية. يتم التعاملُ مع الأفراد في هذه المراكز من قِبَلِ متخصصين نفسيين، واجتماعيين، ودينيين، وأمنيين للتعامل مع الأزمة من جميع أبعادها ووقاية المجتمع من آفات التطرف العنيف بشكلٍ خاص. ومن بين هذه المراكز، نذكر مركز الوقاية من الانحرافات الطائفية المتعلقة بالإسلام (CPDSI) بباريس – فرنسا، وهو مركز متخصص للوقاية من التطرف أسسته دنيا بوزار، المتخصصة في “فك تجنيد” الشباب المستقطب للجهاد، ومحاربة الإسلام الراديكالي، وهي حاصلة على الدكتوراة في الأنثروبولوجيا والواقع الديني من فرنسا. اختارت دنيا بوزار مساعدة العائلات الذين تم استقطاب أبنائهم إلى الجهاد، وأدلت بمشاهداتها في كتاب “الحياة بعد داعش”. كلَّفَها وزيرُ الداخلية الفرنسي بدعم مراكز مناهضة الراديكالية في البلديات الفرنسية. وهي تعمل من خلال هذا المركز على مقابلة أقارب الشباب والفتيات الذين تم استقطابهم للجهاد في سوريا والعراق، كما تلتقي بالعائدين من تلك المناطق.
ويرى المرصد أنَّ فرنسا، والتي يعلمُ الجميعُ بأنَّها أكثر الدول الغربية تعرُّضًا لتهديدات الإرهاب، قد بدأت تسعى بشكلٍ جِدِّيٍّ للقراءة السياسية والاجتماعية الصحيحة للأمر، حيثُ إنَّها شرعت في توجيه بوصلتِها إلى شؤون المسلمين بها وبدأت في وضعها تحت رعايتها حتى تضمن أن يكون أبناءها في مأمنٍ من أيِّ تطرفٍ فكريٍّ. نذكرُ هنا إلى أنَّ هذه الدولة قد عانت ولا تزال من نمو مشكلة التطرف وتفاقمها ولكنها، كما يرى المرصد، قادرةٌ على وضعِ حدٍ لهذه الظاهرة والأمورِ في نِصابِها.
المصادر :
http://www.europarabct.com/%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A8-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7