عزالدين سعيدالاصبخي
اهبط في فرانكفورت ولا احب هذا المطار المترامي الاطراف والانتقال من مبنى الى اخر كأنك في رحلة اختطاف
تدقيق موظفي الامن بجواز سفرك المملوء بأختام واقامات شتى ولا ترد على نظرة الاستغراب من موظف امن يرقبك ككائن عجيب !
الدقة الالمانية هي ما يدهشني والريبة الاوربية بنا هي ما يزعجني
انت اسمر نحيل شاحب في عينك الم وطن لم يكتمل حلمه وقهر شعب لم يحقق امله لهذا دوما تبقى متهما مريبا في هذه البلاد
الدقة الالمانية في كل شيء من المواعيد الى الصناعة المتينة
نحن جيل تربى على ان يسمع كلمة المانيا ويقرنها بمتانة الصناعة وجودتها لهذا تشتري اي شيء من هنا وانت مطمئن وترى اكبر بنية تحتية قوية وناهضة بأروبا كلها هنا كل شيء عمل ليستوعب المستقبل القادم من سكك حديدية ومطارات ومرافق.
في الشارع الالماني جيلين جيل العجائز القدامى وجيل شاب صغير مشدود الى العصر بقوة اما جيل العجائز
فهم رمز الانضباط الصارم الى الحد الذي تحس معه انك رجل الي وليس طبيعي كل شيء عنده محسوب بدقة متناهية – تراه يعبر الشارع الخلفي وحيدا وواقفا ينتظر الاشارة ولا احد غيره بالشارع!
نحن نستخدم الفهلوة العربية يكفي ان تنظر يمين وشمال ثم تنط لتعبر تاركا نظرات السيدة العجوزة المندهشة الغاضبة ولا تشرح لها انك راجع الى بلد الالتزام بالنظام هو المشكلة لديه وليس العكس !
وحتى لا يموت الالمان بحسرتهم ويبقون في قلق دائم عن سبب مخالفتك كعربي اصيل للإشارات الصارمة وقطع للشارع بمهارة فائقة ! لابد من ان تشرح لهم السبب
وهو اننا في مدن نعتبر اشارة المرور عبء زائد ومنظر لا اكثر وان عبور الشارع المزدحم والنط على السيارات الواقفة والماشية مهارة اصيلة
تجد الذين يعبرون الشارع عندنا او في كذا دولة عربية مثلا يشبهون فرق الرقص الشعبي يسيرون خطوتين امام واربع للخلف ثم يركضون عشر ويعودن اربع بنغم جميل رافعين ايديهم بفرح وبعضهم مدلدل طفله او يتحدى ويعبر وهو محمل ببطيخة واخر تراه ينط مثل قرد من رصيف الى ظهر سيارة الى رصيف وغالبا الى تحت باص او يحسم الامر في اليمن موتور سيكل ينط للمواطن الى الرصيف ويجهز عليه في مشهد عجيب امام الف متفرج يرون قتل المواطن مشهد صباحي لا يستحق ان يندهشوا له!
هذه الامور للأسف لا تجدها هنا وفي فرنكفورت الباردة والقاسية لا تجد غير هدؤ وانضباط قاتل
شرحت لجاري في الباص لماذا نحن نكره الوقوف بالإشارات وبطريقة السياسيين العرب الكبار طبعا فردت له اصابعي معددا وقلت :
اذا وقفت تعبر برجليك تنتظر الاشارة ووقفت لدقائق تحت اشارة المرور سيقولون عليك واحد من ثلاثة
الاول: – اما شحات جديد على اساس ان المواقف والارصفة واشارات المرور هي محطات اساسية للشحاتين وعارضي العاهات
( في العالم تتبارى الشوارع في تقديم عارضي وعارضات الازياء والمواهب الفنية نحن تجاوزنا هذا الهبل العالمي وصار لدينا عارضي العاهات !)
مثلا جولات صنعاء او تعز او عدن او الحديدة او مواقف الباصات ستجد من ينط عليك وانت شارد ليريك يد مقطوعة او بطن مبقورة وستجد فوق رأسك احد الامهات وقد انتظرت شرودك التام والقت اليك بطفل معاق لتراه واذا وقفت اربع دقائق تجد نفسك محاصرا بخمس عكاكيز وخمس عربات وعشرات الايدي
واذا قاومت وانتظرت خمس دقائق اخرى تجد نفسك مبطوحا او منظما الى جماعات العاهات وقد اصابك قطع هنا او ضربة هناك !!
الثاني : ستجد نفسك متهما مع الفئة الثانية التي لها حق الاقامة بالإشارات هي المخبرين
الثالث : ستجد نفسك مع الفئة الثالثة التي لها الحق في افتراش الارصفة والبقاء بالإشارات هي المجانين هنا ربما تجد نفسك مع الفئة الاكثر انسانية وعقلا ببلدنا !!
هذا يوم خاطف تقضيه بالأرصفة الباردة والمقاهي لا اكثر ونصيحتي اذا رأيت مطعما ايطاليا بهذا البلد ادخله لأني اظن ان الالمان برعوا في كل الصناعات الضخمة والدقة فيها لكن لم يكن لديهم وقت لأن يبرعوا بالطبخ ويقدمون مطعما متميزا
انغمسوا في مصانع السيارات والمعدات والاجهزة والمعامل وتركوا المطبخ للأسف !!
لهذا اذا قدر لك وزرت متحف كونراد ايدناور الرئيس الالماني الذي عمل لألمانيا معجزة في الحرب العالمة ومنها تقنين الطعام واستخدام وصفة من الخبز فيه الحبوب السمراء التي لم تكن تؤكل وعمل وصفة من خبز اسمر جامد ينقذ من ازمة الخبز في لحرب الطاحنة
وطبعا لم اعلق وانا ارى الاختراع نسخة من – الكدم – عندنا ولم اشرح اننا مدمنين على الحبوب السمراء من دخن وذرة وربما بسبب اننا في حرب دائمة ومستمرة!!
لا يهم الان ان نبحث عن مطعم جيد في بلد الصناعات الضخمة ويكفي البقاء بالأرصفة المكتظة والاستعداد للرحيل
علي ان اكون بعد يوم في الضفة الاخرى التي احن اليها الى المغرب – الدار البيضاء بصخبها وجمالها ورقة اهلها
من لم يزر المغرب عليه ان يبقى في قلبه حسرة
وهنا سأحتاج الى وقت اضافي لأكتب عن بلد احببت العيش فيه وانحزت الى جماله فمعذرة اذا تأخرت بالتعبير عنه وانحزت اليه بقوة انه المغرب فلا تستغرب !!
——————————————————-
من يوميات على رصيف المانيا لم تنشر