حذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من مخاطر محتملة بالتزامن مع بدء المزيد من الدول إجراءات لرفع عمليات الإغلاق الرامية لاحتواء انتشار مرض كوفيد-19.
وأقرت ميشيل باتشيليت – وهي طبيبة ووزيرة صحة ورئيسة دولة سابقة – بالتحدي الذي يواجه الحكومات في تصديها للأزمة الصحية، في وقت تحاول فيه إنقاذ اقتصاداتها من الانهيار.
وقالت باشيليت، في مؤتمر صحفي في جنيف، اليوم الخميس، إن الموازنة بين الضرورات الاقتصادية وضرورات الصحة وحقوق الإنسان خلال جائحة كوفيد-19 ستكون واحدة من أكثر التجارب حساسية ورعبا لجميع القادة والحكومات.
وحذرت من أن تكون الاستجابة مبنية على مصالح نخبة معينة، الأمر الذي قالت إنه سيتسبب في ظهور المرض مرة أخرى في مجتمعات أخرى أقل حظا أو تهميشا وبالتالي سيطال الجميع.
خطر الموجة الثانية من كوفيد-19
يستمر كوفيد-19 في تعطيل حياة مليارات الأشخاص في جميع أنحاء الكوكب، بما في ذلك عدد لا يحصى من العمال والطلاب المحاصرين الآن في منازلهم في محاولة لحماية الأرواح من المرض الفتاك.
فحتى يوم الخميس، أفادت منظمة الصحة العالمية بتسجيل أكثر من أربعة ملايين حالة إصابة عالميا وأكثر من 290 ألف حالة وفاة. وقالت السيدة باشيليت:
“إذا رفعت دولة متضررة إجراءات الإغلاق بسرعة كبيرة، فهناك خطر من حدوث موجة ثانية، تكلف المزيد من الأرواح، في وقت أقرب وأكثر تدميرا.”
وحذرت من إساءة التعامل مع إعادة فتح المجتمعات، مشيرة إلى أن كل التضحيات الضخمة التي تم تقديمها أثناء فترة الإغلاق الأولى ستذهب هدرا.
أهمية التقيد بالمبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية
وقد وضعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اعتبارات لرفع الإغلاق تركز في المقام الأول على إرشادات منظمة الصحة العالمية التي تؤكد على ضرورة التحكم في الانتقال، مع ضرورة أن تكون أنظمة الرعاية الصحية قادرة على اكتشاف كل حالة واختبارها وعزلها ومعالجتها، وتتبع جهات الاتصال.
وأشارت المسؤولة الأممية إلى كوريا الجنوبية ونيوزيلندا وألمانيا باعتبارها نماذج لدول اتبعت هذه النصيحة منذ البداية، داعية إلى استقاء الدروس من تجربتي كوريا الجنوبية وألمانيا واللتين شهدتا عودة ظهور كوفيد-19 منذ تخفيف إجراءات الإغلاق والطوارئ.
الإهمال في دور الرعاية “مرعب”
كما شددت السيدة باشيليت على الحاجة إلى معالجة مخاطر الإصابة بالأمراض في الأماكن المعرضة للخطر مثل دور الرعاية ومؤسسات الطب النفسي ومخيمات اللاجئين ومراكز الاحتجاز. وتساءلت ما إذا كان “هناك خطط لضمان العزلة والعلاج المتخصص لجميع الأشخاص الذين قد يتعرضون لكوفيد-19 في المستقبل.”
وأشارت المفوضة السامية إلى أن إهمال المسنين في دور الرعاية في بعض البلدان خلال الموجة الأولى من الجائحة أمر مروع.
وشددت أيضا على أن هناك حاجة إلى تدابير خاصة في المناطق السكنية عالية الكثافة مثل الأحياء الفقيرة والمناطق الأخرى التي تفتقر إلى المياه الكافية أو الصرف الصحي أو مرافق الرعاية الصحية.
وبالمثل، دعت ميشيل باشيليت إلى أهمية أن تتضمن خطط تخفيف عمليات الإغلاق تدابير محددة للفئات المعرضة للخطر، والتي تشمل الأقليات العرقية والإثنية، والعمال المهاجرين، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية خطيرة، وكبار السن.
أماكن عمل ووسائل نقل عام أكثر أمانا
وفيما يتعلق بأماكن العمل، قالت السيدة باشيليت إنه يتعين على السلطات ضمان حماية الموظفين عند عودتهم إلى وظائفهم. فعلى سبيل المثال، ينبغي توفير الأقنعة والمطهرات ومواد الحماية لأولئك الذين ينطوي عملهم على الاتصال بالجمهور. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون وسائل النقل العام آمنة قدر الإمكان.
وعند رفع عمليات الإغلاق، قالت باشيليت إن أعلى المخاطر سيواجهها أولئك الذين ليس لديهم دخل ثابت، والذين لا يستطيعون العمل عن بعد، ومن يشغلون الوظائف الأساسية – التي لا تقتصر على العاملين الصحيين فقط.
وأضافت أنه بدا واضحا للعيان أن أعدادا غير متناسبة من العمال الأساسيين هم من المهاجرين، وأن معظمهم وعلى الرغم من كونهم موظفين أساسيين إلا أنهم يتلقون أجورا زهيدة في كثير من الأحيان.
هذه الجائحة لن يتم احتواؤها من خلال السياسة أو الإيديولوجيات، أو من خلال التركيز الاقتصادي البحت
وفي سبيل المضي قدما، شددت مسؤولة حقوق الإنسان على ضرورة التشاور مع المواطنين في القرارات التي تؤثر على حياتهم، بما في ذلك كيفية رفع تدابير الطوارئ، قائلة إن المشاركة تبني ثقة أكبر في السلطات وتدفع الناس إلى الامتثال بشكل أفضل لتدابير الصحة العامة.
“بصفتي سياسية سابقة، أعرف مدى الصعوبة التي قد يواجهها القادة الوطنيون والأحزاب الحاكمة في وضع السياسة جانبا. لكن هذه الجائحة لن يتم احتواؤها من خلال السياسة أو الإيديولوجيات، أو من خلال التركيز الاقتصادي البحت، بل سيتم احتواؤها من خلال وضع سياسات دقيقة وحساسة وموجهة بالعلم وقيادة مسؤولة وإنسانية.”
وقالت ميشيل باشيليت إن الاستجابة المدفوعة بالسياسة أو الاقتصاد على حساب الصحة وحقوق الإنسان ستكلف الأرواح وستسبب المزيد من الضرر على المدى القصير والطويل، مشيرة إلى أن هذه الأساليب، وببساطة “ليست مستدامة. ولن تكون مستدامة في المستقبل أيضا. لن نتمكن من العودة ببساطة إلى الاقتصاد الطبيعي وأجزاء أخرى من وضع ما قبل كـوفيد-19، عندما تنتهي الجائحة. يجب أن يكون هذا أهم درس تعلمناه من هذه الأزمة.”